الجمعة، 19 فبراير 2010

تدبير الآذان


# و من الأشياء الضرورية التي ينبغي تدبيرها و تعاهدها الأذن

ــ ينبغي أن يتعاهدها بالتنقية من الوسخ و توقى الحر و البرد و الماء و يقطر فيها دهن بنفسج في كل أسبوع مرة فإنه عجيب 

ــ و مما يضر بالأذن و سائر الحواس التخمة و النوم على الإمتلاء و الأصوات الشديدة تؤلم السمع و من الحركة الهوائية يلقى الصماخ انتهى . 

و التخمة هي الجالب و أما الصماخ فهو خرق الأذن كما قاله في الديوان

تدبير العين " الأشياء المضرة للعين و المصلحة لها " و الكحل

و من الأشياء الضرورية التي ينبغي تدبيرها و تعاهدها : تدبير العين
ــ قال المقرى و منها تدبير العينين و تعاهدهما بالكحل في كل ليلة ثلاثة أميال أو خمسة أو سبعة  كل ميل يبدأ بالطرفة الأولى باليمين و الطرفة الثانية بالشمال فذلك سنة أيضا 

ــ و أجود الكحل الإثمد قال صلى الله عليه و سلم أكتحلوا بالإثمد فإنه يجلو البصر و ينبت الشعر و كان يحب الكحل الممسك و تكون المكحلة من زجاج و الميل من شميدر و يجتنب ما عدا ذلك من المكاحل

# ( صفة كحل ) يحد البصر الضعيف و يزيد في جوهر البصر القوي و هو أجود الكحولات للأصحاء و غيرهم يؤخذ درهم ذهب و درهم برادة فضة و درهم من اللؤلؤ و درهم صبر سقطري و درهم سكر أبيض و درهم مسك و درهم كافور و مثل الجميع كحل إثمد صافي يسحق الجميع سحقا ناعما و يرفع و يستعمل ما ذكرناه فإنه نافع جيد مجرب

# صفة كحل جيد : إذا أخذ خمسة دراهم كحل إثمد و خمسة دراهم توتيا و ما تيسر من المسك فهو كحل جيد يليق بحال الفقير و الضعيف انتهى كلامه .
و قال في كتاب شفاء الأسقام : اعلم أن العين تتضرر بأشياء و تنتفع بأشياء

* فأما الذي تتضرر به فالغبار و الدخان و الأهوية الخارجة عن الإعتدال في الحر و البرد معا و الرياح المعجمة المسمومة و البارد يضرها و كذلك التحديق إلى الشئ الواحد و النظر الدقيق إلا أحيانا و الرياضة و النوم على القفا و الإمتلاء من الطعام و الأكل بالليل و النوم على الإمتلاء و جميع الأغذية و الأشربة الغليظة و جميع المبخرات على الرأس و أكل كل حريف و كل مجفف للطبيعة و ما يجفف بافراط كالملح و المالح و جميع ما يتولد منه بخار كثير كالعدس و السمك و الاستحمام و الفصد و الحجامة خصوصا المتوالية . 

* و اعلم أن الأشياء المضرة للعين السكر الدائم و الجماع و الإفراط في النوم و السهر ؛ و مما يضرهما أيضا النظر إلى المصيبات و القئ ينفع البصر بما يجلو و يضر بما يحرك و يجذب المواد و قال في موضع آخر الأشياء المضرة بالعين النوم على القفا و أكل كل حريف قابض كالثوم و البصل و الملح أعني الإكثار منه لأنه لابد منه في الطعام و كذلك المالح من كل شئ و أكل السمن بالليل و الدسومات ، و على الجملة الأكل بالليل و الشرب مضر بالبصر و النظر إلى مكان واحد و النظر إلى عين الشمس و إلى كل ضوء قاهر للعين من نوره و ما يشبهها و الأشياء المضرة أكل شروخ البقل أي أغصان ورقة دون رؤوسه و كأنه يشير إلى ترك إستعمال رؤوس البقل و هي رديئة و أصوله و الله أعلم


* و مما يجلو البصر و يحده الغوص في ماء بارد و فتح العين في داخله انتهى .
و قال الهواء الخارج من الإعتدال . و ينقى الرياضة دوام النشيج و كثرة البكاء و يقلل النظر في الدقيق من الأشياء إلا على سبيل الرياضة فإنه يقويها . و مما يصلح العين إلا يطيل النوم على القفا و أن يتقي شمس الصيف و الإمتلاء من الطعام و النوم على الإمتلاء و الجماع أضر شئ بالعين و لا يكتحل من به ورم العين

* و مما يصلح العين و يحدها أن يغوص الإنسان في الماء الصافي العذب و يفتح العين في داخله فإنه يفيد العين ضوءا كثيرا و شرب الماء الصافي و شم الطيب و النظر إلى الخضرة و النظر إلى الوجه الحسن و سماع الكلام الطيب . و روى الشيخ بإسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم النظر إلى الخضرة يزيد في البصر.

* و مما يؤذي العين الحفاء و قلة الكحل و الماء الحار على الرأس انتهى كلامه . و قال في كتاب البركة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعجبه النظر إلى الخضرة و الماء الجاري و قال للحسين نم على قفاك يخمص بطنك و خذ من شعرك تحسن رقبتك و اكتحل يضئ بصرك  و قال صلى الله عليه و سلم من اكتحل بالإثمد ليلة عاشوراء لم يضره رمد تلك السنة و يروى من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم ترمد عيناه تلك السنة و يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من محرم على الأصح .

تدبير العوارض النفسية " علاج الهم و الغم و الغضب و الغيظ "


اعلم أن آفة القلب الهم و الغم و راحته الفرح و السرور .
ــ فأما الهم فهو ظهور الحرارة الغريزية إلى داخل الجوف و ظهور طبيعة السوداء و ربما مات بعض الناس  عند ذلك فإذا كثر الهم و الغم انحل الجسم لاختلافهم عليه ، و قال علي كرم الله وجهه : أقوى  خلق ربي ابن آدم و أقوى منه السكر الذي يزيل العقل و أقوى من السكر النوم ، و أقوى من النوم الهم و الغم فالهم أقوى خلق ربي ،
ــ و للهم و الغم دواء و هو ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم :"  ما من عبد أصابه هم أو غم فقال : اللهم إني عبدك و ابن عبدك و ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك  أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عند ك أن تجعل القرآن ربيع قلبي و نور بصري و شفاء صدري و جلاء حزني و ذهاب همي و غمي " إلا أذهب الله همه و غمه و أبدلهما مكانهما فرحا و سرورا ،
و ينبغي للإنسان أن لا يهتم إلا بما يسهل و لا يسر بما يحصل له أيضا ، ثم إذا حصل الغرض و المقصود فلا يفرح إلا فرحا معتدلا و لا يفرط فقد يقتل الفرح المفرط لشدته فيعتدل


ــ و من العوارض النفسية شدة الغيظ و الغضب و هي من الشيطان و الشيطان من النار فينبغي أن يطفئ ذلك بالماء كما قال في الحديث قال فليغتسل و ليسبغ الوضوء و يصل ركعتين ثم يقول :" اللهم اغفر لي و أذهب غيظ قلبي و أعذني من الشيطان الرجيم فيهون غيظه و غضبه و يسكن " .

ــ و من العوارض النفسية الحزن على فائت فينبغي أن لا يكثر الأسف فإن الدنيا بأسرها فانية و ليفاد نفسه أن لو أصيب أعظم منها لكان أكثر مصيبة و نحو ذلك ما يهون على الجوف فيهون . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أصبت بمصيبة إلا و رأيت لله علي فيها ثلاث نعم : الأولى أن الله هونها علي فلم يصبني بأعظم منها فهو قادر على ذلك . الثاني أن الله جعلها في دنياي و لم يجعلها في ديني و هو قادر على ذلك . و الثالثة أن يأجرني بها يوم القيامة . قال بعض الأدباء :
فما يدوم سرور ما سررت به        و لا يرد عليك الفائت الحزن

فهذا القدر كاف في تدبير الأصلح من العوارض النفسية الرديئة كالغضب و الغيظ و الهم و الفرح و السهر و الحسد فإن هذه كلها تغير الأبدان و تخرجها من حالة الطبيعة و خاصة من مزاجه حار فإن في هذه يحدث فيها حميات دقية و أمراض رديئة بل يلهي نفسه بالسرور و الإنبساط فإنها تقوي الحرارة الغريزية و تنشرها في سائ الجسد ،

ــ و قال في اللقط : و من العوارض النفسانية الفكر و أعظم أسبابه الفراغ فإنه يولد الفكر السوداوي يعني الفراغ ، فالمنتفرغ يتفكر و يكون فكره على قدر همه ، فإن كان من عالي الهمة يفكر في الأشياء الغامضة البعيدة و نيل المرادات المتناهية فإن لم يقدر على بلوغها يحدث الهم و الغم ، فينبغي للإنسان أن يصرف نفسه عن الفكر فيما لا يقدر عليه و يتشاغل بالأشياء الشاغلة كالصيد و ما يلهى و قد يصيب الطحال إلى فم المعدة فضلة سوداوية تورث الكآبة و الكآبة سوء الحال و الإفتكار من الخوف كما قاله في فقه اللغة و الله أعلم . قال جالينوس : ينبغي للعلماء أن يتروكوا الفكر لئلا ينهكوا أبدانهم ،

ــ و أما الهم  : فعن علي رضي الله عنه و كرم الله وجهه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " من ترك همه سمن بدنه " و أما الهم إذا أفرط في الأمزجة الباردة برد البدن و أطفأ الحرارة الغريزية ، و الغم يضعف النفس و يهدم الجسد و يخمد الحرارة و هو مضر بجميع الأبدان الباردة اليابسة ، و الهم و الغم يفسدان الأخلاط و إذا أفرطا في الأمزجة الباردة أحدثقا الموت و أطفأ الغريزية . قال بقرط : للقلب آفتان الهم و الغم فالهم يعرض منه السهر و الغم يعرض منه النوم و ذللك أن الهم سببه الخوف مما يكون و الغم الافتكار فيه لأنه انقضى ،
و روى الشيخ بإسناده عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال كان سبب موت أبي بكر رضي الله عنه موت رسول الله صلى الله عليه و سلم ما زال جسمه يجري أي ينقص حتى مات رضي الله عنه ، و روى الشيخ محمد بن عبد الرحمن الفارابي قال : وجدت في حكمة داود عليه السلام : العافية ملك خفي ، و غم ساعة هرم سنة ، و دواء الهم و الغم الإلحاح إلى الله في الدعاء و قال بن عباس : ما كرب نبي من الأنبياء إلا استعان الله بالتسبيح ، و روى الشيخ باسناده عن بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " من كثرت همومه و غمومه فليكثر من قول لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم " و في رواية : لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم شفاء من تسعة و تسعين داء أيسرها الهم .  و ينبغي للإنسان أن يلهم نفسه الفرح بقدر ما ذكرنا من فوائده و ذلك لأن من شأن الفرح زمولة النفس و تعديل الأخلاط و خصب البدن و كذلك السرور و اللذة و كم أنهك الغم جسما فلما شرع في السرور المعتدل قوى النفس و خصب البدن و نشر الحرارة الغريزية إلى الجسد .

ــ و الغضب هو غليان دم القلب فتتحرك الحرارة الغريزية و تخرج دفعة طلباً للإنتقام من المؤذي و هو البدن و تجففه و تقويه الصفراء و ينفع أصحاب المزاج البارد و ينبغي أن يقاوم الغضب بالسكون و تغيير الحالة و في الحديث يقول الله تعالى يا بن آدم اذكرني حين تغضب اذكرك حين اغضب فلا أمحقك مع من أمحق . و الفزع يدخل عند الحرارة الغريزية إلى داخل دفعة لتهرب النفس من الشئ المؤذي .
ــ و الخجل ينشر الحرارة في الجسد أول الأمر ثم يعود غما و يفعل فعل الغم و يوجب إنقباضا شديدا للنفس بباديه .
ــ و الغيظ أوله غضب و آخره  ندامة فهو يفعل فعل الغم و علاج  هذه الأشياء بأضدادها و الله تعالى أعلم .


المصادر :
كتاب تسهيل المنافع في الطب و الحكمة للمؤلف إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبي بكر الأزرق