الجمعة، 19 فبراير 2010

تدبير العوارض النفسية " علاج الهم و الغم و الغضب و الغيظ "


اعلم أن آفة القلب الهم و الغم و راحته الفرح و السرور .
ــ فأما الهم فهو ظهور الحرارة الغريزية إلى داخل الجوف و ظهور طبيعة السوداء و ربما مات بعض الناس  عند ذلك فإذا كثر الهم و الغم انحل الجسم لاختلافهم عليه ، و قال علي كرم الله وجهه : أقوى  خلق ربي ابن آدم و أقوى منه السكر الذي يزيل العقل و أقوى من السكر النوم ، و أقوى من النوم الهم و الغم فالهم أقوى خلق ربي ،
ــ و للهم و الغم دواء و هو ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم :"  ما من عبد أصابه هم أو غم فقال : اللهم إني عبدك و ابن عبدك و ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك  أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عند ك أن تجعل القرآن ربيع قلبي و نور بصري و شفاء صدري و جلاء حزني و ذهاب همي و غمي " إلا أذهب الله همه و غمه و أبدلهما مكانهما فرحا و سرورا ،
و ينبغي للإنسان أن لا يهتم إلا بما يسهل و لا يسر بما يحصل له أيضا ، ثم إذا حصل الغرض و المقصود فلا يفرح إلا فرحا معتدلا و لا يفرط فقد يقتل الفرح المفرط لشدته فيعتدل


ــ و من العوارض النفسية شدة الغيظ و الغضب و هي من الشيطان و الشيطان من النار فينبغي أن يطفئ ذلك بالماء كما قال في الحديث قال فليغتسل و ليسبغ الوضوء و يصل ركعتين ثم يقول :" اللهم اغفر لي و أذهب غيظ قلبي و أعذني من الشيطان الرجيم فيهون غيظه و غضبه و يسكن " .

ــ و من العوارض النفسية الحزن على فائت فينبغي أن لا يكثر الأسف فإن الدنيا بأسرها فانية و ليفاد نفسه أن لو أصيب أعظم منها لكان أكثر مصيبة و نحو ذلك ما يهون على الجوف فيهون . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أصبت بمصيبة إلا و رأيت لله علي فيها ثلاث نعم : الأولى أن الله هونها علي فلم يصبني بأعظم منها فهو قادر على ذلك . الثاني أن الله جعلها في دنياي و لم يجعلها في ديني و هو قادر على ذلك . و الثالثة أن يأجرني بها يوم القيامة . قال بعض الأدباء :
فما يدوم سرور ما سررت به        و لا يرد عليك الفائت الحزن

فهذا القدر كاف في تدبير الأصلح من العوارض النفسية الرديئة كالغضب و الغيظ و الهم و الفرح و السهر و الحسد فإن هذه كلها تغير الأبدان و تخرجها من حالة الطبيعة و خاصة من مزاجه حار فإن في هذه يحدث فيها حميات دقية و أمراض رديئة بل يلهي نفسه بالسرور و الإنبساط فإنها تقوي الحرارة الغريزية و تنشرها في سائ الجسد ،

ــ و قال في اللقط : و من العوارض النفسانية الفكر و أعظم أسبابه الفراغ فإنه يولد الفكر السوداوي يعني الفراغ ، فالمنتفرغ يتفكر و يكون فكره على قدر همه ، فإن كان من عالي الهمة يفكر في الأشياء الغامضة البعيدة و نيل المرادات المتناهية فإن لم يقدر على بلوغها يحدث الهم و الغم ، فينبغي للإنسان أن يصرف نفسه عن الفكر فيما لا يقدر عليه و يتشاغل بالأشياء الشاغلة كالصيد و ما يلهى و قد يصيب الطحال إلى فم المعدة فضلة سوداوية تورث الكآبة و الكآبة سوء الحال و الإفتكار من الخوف كما قاله في فقه اللغة و الله أعلم . قال جالينوس : ينبغي للعلماء أن يتروكوا الفكر لئلا ينهكوا أبدانهم ،

ــ و أما الهم  : فعن علي رضي الله عنه و كرم الله وجهه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " من ترك همه سمن بدنه " و أما الهم إذا أفرط في الأمزجة الباردة برد البدن و أطفأ الحرارة الغريزية ، و الغم يضعف النفس و يهدم الجسد و يخمد الحرارة و هو مضر بجميع الأبدان الباردة اليابسة ، و الهم و الغم يفسدان الأخلاط و إذا أفرطا في الأمزجة الباردة أحدثقا الموت و أطفأ الغريزية . قال بقرط : للقلب آفتان الهم و الغم فالهم يعرض منه السهر و الغم يعرض منه النوم و ذللك أن الهم سببه الخوف مما يكون و الغم الافتكار فيه لأنه انقضى ،
و روى الشيخ بإسناده عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال كان سبب موت أبي بكر رضي الله عنه موت رسول الله صلى الله عليه و سلم ما زال جسمه يجري أي ينقص حتى مات رضي الله عنه ، و روى الشيخ محمد بن عبد الرحمن الفارابي قال : وجدت في حكمة داود عليه السلام : العافية ملك خفي ، و غم ساعة هرم سنة ، و دواء الهم و الغم الإلحاح إلى الله في الدعاء و قال بن عباس : ما كرب نبي من الأنبياء إلا استعان الله بالتسبيح ، و روى الشيخ باسناده عن بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " من كثرت همومه و غمومه فليكثر من قول لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم " و في رواية : لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم شفاء من تسعة و تسعين داء أيسرها الهم .  و ينبغي للإنسان أن يلهم نفسه الفرح بقدر ما ذكرنا من فوائده و ذلك لأن من شأن الفرح زمولة النفس و تعديل الأخلاط و خصب البدن و كذلك السرور و اللذة و كم أنهك الغم جسما فلما شرع في السرور المعتدل قوى النفس و خصب البدن و نشر الحرارة الغريزية إلى الجسد .

ــ و الغضب هو غليان دم القلب فتتحرك الحرارة الغريزية و تخرج دفعة طلباً للإنتقام من المؤذي و هو البدن و تجففه و تقويه الصفراء و ينفع أصحاب المزاج البارد و ينبغي أن يقاوم الغضب بالسكون و تغيير الحالة و في الحديث يقول الله تعالى يا بن آدم اذكرني حين تغضب اذكرك حين اغضب فلا أمحقك مع من أمحق . و الفزع يدخل عند الحرارة الغريزية إلى داخل دفعة لتهرب النفس من الشئ المؤذي .
ــ و الخجل ينشر الحرارة في الجسد أول الأمر ثم يعود غما و يفعل فعل الغم و يوجب إنقباضا شديدا للنفس بباديه .
ــ و الغيظ أوله غضب و آخره  ندامة فهو يفعل فعل الغم و علاج  هذه الأشياء بأضدادها و الله تعالى أعلم .


المصادر :
كتاب تسهيل المنافع في الطب و الحكمة للمؤلف إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبي بكر الأزرق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق